كفالة طالب علم تُوصلها إلى التدريس بالجامعة

2020-11-09

اعتبارا من سبتمبر 2017 بدأت السيدة رضا جديدة عملها أستاذةً جامعية في كلية الشريعة والقانون بجامعة “الرانيري” الحكوميّة الأندونيسية، بعد حصولها على درجة الماجستير في الاقتصاد الاسلامي من نفس الجامعة. محققة بذلك أهمّ ما كانت تطمح إليه، وهوّ التفوق والتدريس الأكاديمي.  

وتعترف رضا أن هذا النجاح الذي أحرزته عبر إتمام الدراسة الجامعية ثم دراسة مرحلة الماجستير، والتخرّج منهما بتفوق، ما كان له أن يتمّ لولا تشجيع أسرتها لها، وتضحية والدتها بشكل خاص. فقد اضطرت الأم إلى للعمل في غسل الثياب لتغطية مصاريف ابنتها الدراسية. ثم جاءت كفالة قطر الخيرية، على اعتبار السيدة رضا طالبة علم، بدء من السنة الثالثة من الدراسة الجامعية “البكالوريوس”. وتواصلت إلى أن أنهت مرحلة الماجستير بداية العام 2017.

تضحية أمّ

بطلة هذه القصة التي تناولها الجزء الثاني من كتاب شهد النجاح، هي السيدة رضا التي ولدت في مدينة “سبانج “غرب إندونيسيا عام 1991 لأسرة فقيرة، وكانت الثانية من بين ثلاثة أشقاء. كان والدها يعمل موظّفا حكومياً بمرتب ضعيف لا يسدّ احتياجات الأسرة المعيشية، ومنها مصاريف الدراسة لها ولأخويها.

دفع هذا الأمر أمّها إلى العمل. ولأنّ الأم لا تجيد حرفة معينة، اضطرت للقيام بغسل وتنظيف الملابس للزبائن. وكلما ازدادت مصاريف رضا وأخويها نتيجة انتقالهم من مرحلة دراسية لأخرى أعلى منها، كانت أمّهم تتحامل على نفسها بصورة أكبر، لتلبية الزيادة في متطلباتهم التعليمية.

وتستذكر السيدة رضا الظروف المعيشية التي عانت منها أسرتها، وإصرار والديها على ألاّ ينعكس ذلك على مواصلة تعليم أبنائهم مهما كلَّفهم ذلك. تقول رضا جديدة: “على الرغم من ظروف الأسرة المعيشية الصعبة، إلا أن أبواي لم يكونا ليتكلما عن أيّة مشاكل ماليّة أمامنا. بل كانا دائما حينما نطلب منهما شيئا يحاولان أن يلبياه لنا. وإذا لم يستطيعا ذلك كانا يقدمان لنا أسبابا أخرى لعدم تمكّنهما من تلبيته، كيلا يؤثر ذلك على حالتنا النفسية وتحصيلنا الدراسي في سنوات طفولتنا. فضلا عن حثهما المتواصل لنا على الجدّ والمثابرة، والاستمرار في التفوق. وعرفنا فيما بعد أنّهما كانا يستدينان من الأقارب أو الجيران مع بداية كل عام دراسيّ لتوفير ما نحتاجه”.

دوافع التفوّق

بدأت رضا تدرك حجم الحالة الماديّة الصعبة التي تعيشها أسرتها، وعظم ثقلها على والديها بعد تخرجها من الثانوية العامة.

وعند التحاقها بكلية الشريعة والاقتصاد الإسلامي في جامعة الرانيري بمدينة بندا اتشيه، عرضت على أمّها أن تساعدها في العمل، أو أن تبحث عن عمل بموازاة الدراسة. لكن أم رفضت بشدة وقالت: “إنّ تفوّقكِ سيكون مصدر فخر لنا، وإن كلّ تعبي يزول عندما سأفرحُ بمستقبلك ومكانتك العاليّة في المستقبل”.

ولأنّ من سنن الله سبحانه أن يكون اليسر مع العسر، وأن يكون الظفر مع الصبر، بدأت رضا تتنفّس الصعداء بعد كفالة طالب العالم حظيت بها من مكتب قطر الخيرية في إندونيسيا. وكانت منطلقا ودافعاً لكي تواصل مشوار تميّزها العلمي في السنوات المتبقية من مرحلة البكالوريوس وما بعدها. بل وفي حياتها المستقبليّة بشكل عام.

جاءت الكفالة بواسطة أحد مدرّسيها بالجامعة الذي قدّم إلى مكتب قطر الخيرية في مدينة “بندا آتشيه” طلبا لمساعدتها، نظرا لتفوقها وضعف الأحوال المعيشية لأسرتها في نفس الوقت.

وقال في شهادته المرفقة بالطلب “إنّ حالة اسرتها الفقيرة كانت دافعا لها لأن تصمم هذه الطالبة الذكية بصورة أكبر على التفوق”. وأكد أنّ “لديها دافعاً قويّاً كي تكون حياتها أفضل” فكان أن تمّت الموافقة عليه.


رضا جديدة: كفالة طالب علم تُوصلها إلى التدريس بالجامعة

درجة الامتياز

حصدت رضا جديدة ثمرة تعبها وجدِّها المتواصل فكانت من أفضل الخرِّيجين على مستوى كليّات الجامعة. فقد حصلت حينها على درجة الامتياز بمعدل تراكمي قدره: (3.76). كما شهد لها أساتذتها في الكليّة بقدرتها على تلبية كافة المتطلبات النظرية والعمليّة اللازمة للتخرج في الوقت المناسب وبأداء متميز. بينما لم يكن زملاؤها قد فرغوا من تلبية المتطلبات النظرية فقط.

وبدعمٍ وترحيبٍ من أساتذتها؛ تواصل رضا في أغسطس من عام  2014  تعليمها العالي فتلتحق بمرحلة الماجستير  قسم “الاقتصاد الإسلامي” في نفس الجامعة.

ولكي تسهم في دعم أسرتها وتخفّف من حدّة أعبائها المعيشية تقوم رضا بتقديم دورات تأهيل في اللغة الانجليزية للطلاب الملتحقين حديثا في الجامعة، مرّة كل أسبوع. 

وتمكّنت رضا بهمّتها العالية من إكمال متطلبات دراستها ومناقشة رسالتها في غضون عامين ونصف العام. وكانت الرسالة بعنوان:(التعويض عن الاستيلاء على ملكية الأرض في منظور الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي/ بالتطبيق على قرية بونجي بلانج تشوت).

منحت لجنة المناقشة رسالة السيدة رضا درجة الامتياز. كما حظيت بثناء لجنة المُحكِّمين. وقد قال عنها البروفيسور/ نزار الدين عبد الواحد، رئيس لجنة المناقشة وعميد كلية الاقتصاد في الجامعة الإسلامية الحكومية” الرانيري:”إنّ أطروحة رضا متميّزة، بذلت فيها جهدا واضحا، وتناولت مسألة لم يتم التطرق لها من قبل. ونوصي بأن تكون مرجعا أساسيا للطلاب في المستقبل”.

عين رضا جديدة على الدكتوراه

ومنذ سبتمبر من العام 2017 تستشرف السيدة رضا مرحلة جديدة في حياتها، مرحلة العمل واستثمار ما تعلّمته لصالح جيل جديد من طلبة العلم. لتبدأ بتدريس مادتين من مواد الاقتصاد الإسلامي للسنة الثالثة بكلية الشريعة والقانون في نفس الجامعة التي تخرجت منها. علما أنها لم تكن تتوقع ذلك، لأنّ المدرسين الجدد غالبا ما يقومون بتدريس طلبة السنوات الأولى. 

واعترافا بالفضل لأهل الفضل؛ ودورهم في النجاحات التي استطاعت تحقيقها حتى الآن. تقول السيدة رضا عن الكفالة بارتياح وسعادة: “بفضلها تمكّنت من مواصلة تعليمي الجامعي والعالي بمعدل مرتفع، وتخفيف الضغط عن والديّ. إذ صار بإمكانهما التركيز على رعاية شقيقيَّ ودفع الرسوم عنهما فقط”. 

تزوجت رضا عام 2016 من السيد/ مسوار محمد، الباحث في تعليم اللغة العربية، والحافظ لكتاب الله تعالى حفظاً كاملاً. وهي تكرّس وقتها لرعاية أسرتها وتربية طفلها، والتدريس في الجامعة، والاهتمام بوالدها ووالدتها، آملة أن توفِّيهما بعضاً من حقوقهما عليها.

وتشكر رضا المولى عزّ وجلّ على نعمه الكثيرة التي يغمرها بها، ومازالت تتطلّع بقوة لمواصلة الدكتوراه، وما يحول بينها وبين تحقيق هذا الحلم الجميل هو  الرسوم الدراسية المرتفعة، التي تفوق إمكاناتها المادية، كما أخبرتنا.

هديّة غالية

من المواقف التي لا تبرح ذاكرة السيدة رضا، موقف ارتبط بهديّة لها قصة مؤثِّرة، إذ بعد نيلها درجة الماجستير أخبرها مكتب قطر الخيرية بإندونيسيا عن عزمه تقديم هدية لها بهذه المناسبة. وسألها ممثل قطر الخيرية عن نوعية الهدية التي تريد أن يقدّمها لها المكتب.  تُحدِثُنا رضا عن ذلك فتقول: قلت لهم مباشرة أريد غسالة. وعندما أحضروها لها أخبرتهم أن يوصلوها لبيت والدتها مباشرة. وقالت وعيناها تذرفان بالدموع: أريد أن أقدّم أغلى هديّة وصلتني تقديرا لأجمل إنجاز في حياتي (التخرج) لأمي، التي لولا رعايتها الكبيرة وتضحياتها العظيمة ما استطعت أن أستكملَ دراستي كي أصل إلى بوابة الجامعة “. وكم كان سرورها عظيما لفرحة أمها التي فوجئت بهذه الهدية.

توصي السيدة رضا أبناء الأسر الفقيرة بمواجهة الصعاب بالعزيمة الصادقة والارتقاء في مراتب العلم قائلة: “اجتهدوا في التعلّم والعمل، اعملوا لدنياكم كأنكم تعيشون أبدا، واعلموا لآخرتكم كأنكم تموتون غدا. واتبعوا كل جهد بالدعاء، لأنّ الجهد بلا دعاء كِبر، والدعاء بلا جهد في العمل كَذِب”.


من كتاب “رفقاء … أكبر عائلة في العالم” – سلسلة غراس رقم (11) – قطر الخيرية (بتصرف).


مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق