من فضل الصدقة الجارية أنها تبقى لأطول مدة ليستفيد منها البشر والزرع والثواب، فهي خير من الصدقة المتقطعة، لأن عداد الحسنات يستمر في العمل لصاحبها أو في ثواب من اختار لذلك، رغم أنه قام بها مرة واحدة فقط. لذلك على المسلم أن يحرص على الاستثمار في الأعمال الصالحة التي يستمر في قطف ثمارها أجوراً وحسنات حتى بعد مغادرته هذه الحياة. فيكون له سهم صدقة جارية كأن يبني مسجدا أو يساعد طالب علم فقير أو ينشئ مشروعا يعود بالفائدة على الفقراء.
في “فضل الصدقة الجارية” ستتعرف على:
الوقف
فالصدقة الجارية محمولة عند أكثر العلماء على معنى الوقف؛ لأن الأصل فيه أن يُحبس ويُتصدق بمنفعته، فيظل أصله باقياً.
فقد قال الإمام النووي في شرح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية ـ وكذلك الصدقة الجارية”: قال وهي الوقف.
والوقف فقهاً هو: حبس الأصل وتسبيل المنفعة، بمعنى أن توقف عيناً لها منفعة على الفقراء لتبقى موقوفة لا تباع ولا توهب.
أمثلة على الصدقة الجارية
جاء في الحديث الذي رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته” (حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع).
إليك نماذج عملية لصدقة جارية
1- حفر الآبار وتوفير الماء لمن يحتاجون إليه
فمن أفضل الصدقة الجارية عن الميت: توفير الماء لمن يحتاج إليه وتسبيل منفعته، كحفر بئر، أو إجراء نهر. فقد روى الإمام أحمد، وغيره عن سعد بن عبادة – رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت، فأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء. (حسنه الألباني).
2- نشر العلم
نشر العلم والتعليم من أعظم العبادات والصدقات الجارية، من خلال محاربة الجهل والأمية وسط المجتمعات الفقيرة، عبر تسهيل وصول العلم الصحيح والنافع لأبنائها.
فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”.
- إذ يمكن صرف ريع الصدقة الجارية للطلبة والمعلمين. كما يمكن أن يخصص وقف مزرعة أو بيتاً لتعليم الناس العلم النافع.
- أو كفالة طالب العلم الفقير والمعلم الفقير، لكي يعطي كلالهما كامل جهده وطاقته في زيادة العلم، بدل أن يضيع وقتهما وجهدهما في البحث عما يحفظ لهما كرامتهما. فيصير كل ما يكتسبه طالب العلم هو ميزان حسنات كفيله، وكل وما يقدمه المعلم لطلبته على مر السنين هو في صحيفة حسنات كفيله ومن مدّ له يد العون والمساعدة.
- بالإضافة إلى بناء الكليات والمعاهد ودعمها، حتى لا يضطر أبناء الفقراء إلى الانتقال إلى ندن أخرى أو دول أخرى من أجل التحصيل العلمي.
- أو إنشاء المكتبات العلمية.
- ومن الصدقة الجارية أيضاً طباعة الكتب وتوزيعها، كطباعة المصاحف والكتب النافعة
- كما يدخل في ذلك دعم وتمويل المسابقات والجوائز العلمية.
- وإنشاء المنصات العلمية الرقمية، التي توفر الدروس التعليمية عن بعد، أو تُسهّل على الطلبة الفقراء الوصول إلى المراجع العلمية المختلفة.
- ودعم مشاريع تعليم وتحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، خاصة لفئة الأطفال.
3- بناء المساجد عن الميت
- فتشييد المساجد في مختلف أقطار الأرض هو اقتداء بسنة نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام، الذي جعل أو عمل قام به بعد أن دخل “قباء” وهو أنه بنى فيها مسجداً قبل أن يواصل مسيره إلى المدينة. ولما أدركتْه صلاةُ الجمعة في بني سالم بن عوف، بنى مسجداً هناك. كما أن كان أول عمل يقوم به بعد دخوله المدينة هو بناء مسجده، بل شارك عليه الصلاة والسلام بنفسه في البناء.
- إضافة إلى المكانة الكبيرة التي يحتلها المسجد من الناحية التعبدية والاجتماعية في حياة المسلمين. يقول تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [النور: 36]. فهو مكان العبادة والتواصل والتآزر بين أفراد المجتمع. الواحد. فالمسجد يختزل رسالة الإسلام العظيمة في القيام بدوره الديني والدنيوي.
- ناهيك عن الأجر العظيم لبناء مسجد صدقة جارية. فما من صلاة تُقام في هذا المسجد، وما من رجل تُعقد له في هذا المسجد توبة مع الله، وما من دمعة تسقط من عين خاشع في هذا المسجد، إلا كان ذلك في ميزان حسنات من بنى المسجد.
4- بناء المستشفيات للمرضى ومراكز رعاية العجزة والأرامل
فذلك من أفضل الصدقات. فمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، فرّج الله له كربة من كرب يوم القيامة.
- من ذلك بناء المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق الفقيرة لعلاج الأمراض المزمنة أو الخطيرة، لمرضى السرطان أو ما شابه أو علاج الأطفال مرضى العيون ونحو ذلك. إضافة إلى توفير الفحوصات والكشوفات الطبية للنساء الأرامل والمرضى.
- بناء مراكز رعاية الأرامل والعجزة والمسنين، الذين انقطعت بهم السُبل، ولم يجدوا معيناً يرعاهم ويتولى شؤونهم.
5- غرس شجر
وغرس الشجر والنبات التي يحل بها النفع بثمارها أو ظلالها فيها من الأجر والخير الكثير. وربما كان ذلك صدقة جارية لصاحبها في حياته وبعد موته. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.” (رواه البخاري ومسلم)
حيث قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في تفسيره للحديث: “وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَجْرَ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ مَا دَامَ الْغَرْسُ أَوِ الزَّرْعُ مَأْكُولًا مِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ زَارِعُهُ أَوْ غَارِسُهُ، وَلَوِ انْتَقَلَ مِلْكُهُ إِلَى غَيْرِهِ. “