تعدّ أسرة اليتيم أفضل بيئة للتكيف ( مع أمه وإخوته أو أبوه وأخوته) أو مع جدته أو إحدى أسر أقاربه في حال تعذر وجود الأم أو الأب. وهذا ما سعت المؤسسات الخيرية إلى مراعاته ضمن برامجها لرعاية وكفالة الأيتام في الدول العربية والإسلامية.
خلال هذا المقال ستتعرف على:
نمط الرعاية والكفالة الشائع للمؤسسات الخيرية
أغلب أشكال كفالة الأيتام التي تتم عبر الجمعيات الخيرية العربية والإسلامية تكون في ظلّ وجود الأيتام مع أسرهم. حيث تشمل الكفالة مبلغا نقديا يقدم لليتيم (ولأسرته) لتخفيف الأعباء المعيشية عنهم وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم. فضلا عن أشكال أخرى من الأنشطة الثقافية كالدروات التدريبية والمحاضرات والفعاليات الترفيهية كالرحلات والمسابقات والمخيمات والمتابعات والفحوص الدورية، والمعونات الدورية للأيتام (مثل العيدية، والحقيبة المدرسية وغيرها) التي تخصص لهم.
لكن هذا لا يمنع من وجود مشاريع أخرى لصالح الأيتام تنفذ من قبل هذه الجمعيات مثل مراكز ودور رعاية الايتام. فهي تحتوي على أقسام مختلفة مثل (القسم الداخلي للمبيت والإيواء، المدرسة، مركز تعليم حرف، مستوصف أو مركز صحي، ملاعب.. الخ). وربما اقتصرت هذه المشاريع على معاهد مهنية أو مراكز للتدريب فقط.
ويلتحق أيتام ويتيمات في هذه المراكز والدور حتى في ظلّ وجود أسرهم (أمهم وأخواتهم) نظرا للفقر، أو نظرا لأن أمهات وأسر الأيتام يعتقدون بأن أبناءهم سيحظون برعاية أكبر في ظل هذه المحاضن، ويعودون لأسرهم في العطل.
كالجسد الواحد
حملة الشتاء .. لأجل فلسطين
إيثارك اليوم.. أمان وحماية ليتيم
كفالة الأيتام عمل صالح يقربنا إلى الله ويهب مظلة أمان ورحمة للأيتام
توسيع نطاق برامج الرعاية لتشكمل تنفيذ برامج ومشاريع لصالح الأيتام
كما تقوم بعض هذه الجمعيات بتخصيص وتنفيذ بعض المشاريع التي تدعم الأيتام وأسرهم، وتسهم في رعايتهم في جوانب مختلفة. مثل تخصيص كفالة طالب علم لبعضهم بعد إتمام اليتيم سن الثامنة عشرة. حتى تكون عونا لهم على مواصلة الدراسة الجامعية. أو توفير التدريب المهني وتمويل مشاريع مدرة للدخل لصالح أمهات الأيتام، أو لصالح الأيتام بعد انتهاء مدة كفالتهم (أي بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة فأكثر). وإن كانت هذه المشاريع ماتزال محدودة ـ في حال وجودها ـ مقارنة بعدد الأيتام المكفولين.
وكخلاصة لما سبق؛ فإن أفضل بيئة لتكيف اليتيم هي أسرته (مع أمه وإخوته/ أبوه وأخوته) أو مع جدته أو إحدى أسر أقاربه في حال تعذر وجود الأم أو الأب.
ورغم أهمية أن يكون اليتيم مع أسرته كما في نمط كفالات المؤسسات والجمعيات الخيرية حاليا، إلا أن هذا النمط السائد منذ السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ـ على أقل تقدير ـ يستدعي من القائمين على المؤسسات القيام بمراجعته وتطويره وتلافي أوجه القصور فيه، من أجل أن تسهم الكفالة في تحقيق تأثير إيجابي أكبر في حاضر اليتيم وأسرته، وضمان مستقبل مستدام أكثر أمانا وازدهارا لهم.
نحو تطوير نموذج لكفالة الأيتام في المؤسسات الخيرية
يعتبر نموذج كفالة ورعاية الأيتام الذي تتبناه المؤسسات الخيرية العربية والإسلامية أفضل نماذج كفالات الأيتام المتوفرة في عصرنا الحالي حتى الآن (والتي سبق أن استعرضناها في المقال السابق). فتجربة المؤسسات الخيرية في رعاية وكفالة الأيتام تخلو من أي محظور قانوني أو شرعي. كما أنها تؤكد على أهمية وجود الأيتام مع أسرهم، حتى يتمكنوا بشكل طبيعي وتلقائي من إشباع الحاجات الأساسية لديهم سواء كانت حاجات اجتماعية أو نفسية أو عاطفية.
الحاجة إلى إعادة النظر في البرامج الخاصة بالكفالة
ولكن مع ذلك فإن هذا النموذج يعاني من قصور. فهو يتطلب التطوير أو تصميم نموذج جديد يتفادى الثغرات الموجودة في النماذج الحالية ويسعى لضمان تنمية مستدامة لحياة الأيتام وازدهار مستقبلهم.
فمن أهم أوجه القصور التي توجه للنموذج الحالي:
1ـ كفالة ورعاية الأيتام في المؤسسات الخيرية عدم إيلاء الاهتمام الكافي لبرامج الرعاية في الجوانب التربوية
منها التوعوية والترفيهية والأنشطة التي تهتم بالدعم النفسي، وتنمية القدرات وبناء الشخصية. ناهيك عن الاهتمام بالموهوبين والمتفوقين علميا. إضافة إلى المتابعات التي يحتاجها الأيتام تعليميا وصحيا، والدعم النفسي في أوقات الطوارئ للمتأثرين بالأزمات والكوارث.
ويرى المنتقدون أن الكفالة تكاد تنحصر في المبلغ المالي وتلبية الاحتياجات المادية للمكفول. حتى وإن كان ذلك في حدودها الدنيا (الاحتياجات الأساسية). بينما يحتاج الأمر إلى الاهتمام بجوانب الرعاية المختلفة. بل وتفعيل أدوار المشرفين والمدربين في هذه المؤسسات الخيرية من خلال تأهيلهم لهذه الأدوار علمياً وثقافياً وعملياً.
2ـ يواجه الكثير من الأيتام عقبة في وجه إتمام دراستهم الجامعية
نظرا لتوقف كفالة اليتيم عند سن 18 عاما. وقد يكون بينهم متفوقون أكاديميا، نظرا لعدم قدرتهم على دفع الرسوم الدراسية وتأمين مصاريف الاحتياجات الأخرى. والمحظوظ منهم ـ وهم قلة ـ من تتم كفالته مباشرة كطالب علم طيلة سنوات الدراسة الجامعية من قبل بعض الجمعيات الخيرية.
فهذا الوضع يحتاج لمراجعة سن الكفالة ورفعه حتى الانتهاء من الدراسة الجامعية. حتى يتم توفير السبل لبناء مستقبل اليتيم وتوفير عمل ومصدر رزق له. أو دراسة طرق توفير كفالات طلاب العلم بشكل كبير وتحويل كفالة اليتيم إلى كفالة طالب علم بشكل تلقائي، في حال وجدت لدى اليتيم نية بذلك وتوفرت لديه الشروط الأكاديمية اللازمة لذلك.
كما ينبغي العمل على تعليم الأيتام حرفة في المرحلة الثانوية (من خلال برامج حرفية في عطل نهاية الأسبوع والعطل الصيفية ). حتى تمنح من لا يستطيع الدراسة الجامعية فرصة للعمل، ومصدر دخل مساعد لمن يستطيعون الدراسة والعمل (دوام جزئي) بآن واحد.
3ـ كثيرا ما لا تسد كفالة اليتيم الاحتياجات الأساسية لأسرته وأخوته
خصوصا إذا كانت الأسرة تتكون من عدة أفراد، وعدد المكفولين فيها لا يتجاوز يتيما أو يتيمين.
لذا لابد من حلول لكي تعيش هذه الأسرة بكرامة، مثل طرح فكرة كفالة أسرة يتيم، أو توفير مصدر دخل لهذه الأسر سواء كان دخلا كافيا أو مساعدا من خلال توسيع فرص الاستفادة من المشاريع المدرة للدخل وتوفير التدريب المهني لمن يستطيع من أمهات الأيتام.
صحيح أن هذه المشاريع موجودة في بعض المؤسسات الخيرية لكن استفادة الأرامل منها ما زال محدودا جدا في الأغلب.
ـ هذه الأفكار وغيرها تحتاج إلى دراسة معمقة من المختصين والأكاديميين مع أصحاب القرار في الجهات ذات العلاقة بالهيئات الخيرية للخروج بنموذج مطوّر أو جديد يستوعب الملاحظات على النموذج الحالي ويعمل على تلافيها، والعمل على توعية المتبرعين بأهميته والتسويق له، مع تهيئة الكوادر والترتيبات اللازمة له بالتوازي، تمهيدا لتطبيقه عمليا وفق خطط تعد لذلك.
من كتاب “رفقاء … أكبر عائلة في العالم” – سلسلة غراس رقم (11) – قطر الخيرية (بتصرف).