لقد جعل الله سبحانه وتعالى لنا في شريعتنا الغراء أموراً كثيرة لو أحسنا استخدامها لسعدنا في دنيانا وآخرانا، ستصلح أحوالنا وأبداننا وذريتنا. ومن هذه الأمور نجد الصدقة الجارية. لذلك يحرص علماء الأمة وبنهائها على التأكيد في كل مناسبة على أهميتها في حياة المسلم وآخرته. مثلما حرص على ذلك رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام عندما عدّها من الأمور القليلة التي لا ينقضي ثوابها بوفاة صاحبها.
ستتعرف عبر هذا المقال على:
بين الصدقة والصدقة الجارية
الصدقة بوجه عام لها فوائد في الدنيا والآخرة. فيكفيها فضلاً أن من فوائدها الدنيوية نماء المال وبركته، ودفعها للبلاء عن صاحبها بإذن الله تعالى. كما تُعد من صنائع المعروف، كما ورد في الحديث الذي رواه الطبراني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر” (حسنه الألباني).
هذا فضل الصدقة التي يقوم بها العبد ثم يتوقف ثوابها. فماذا عن الصدقة التي يستمر معها عداد الحسنات بعمل ليل نهار مادامت قائمة.
لذلك كانت الصدقة الجارية أفضل من الصدقة المنقطعة؛ كما جاء في حديث أنس مرفوعاً: “سبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره: من علم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته” (رواه البزار).
فوائد الصدقة الجارية على الميت أفضل من الصدقة المنقطعة
أجمع علماء الأمة على أن الصدقة يصل إلى الميت نفعها. من أفضل ما يمكن أن بقوم به المرء لعزيز متوفى هو أن يتصدق في ثوابه وينوي أجرها له. فعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال: “يا رسول الله، إن أمي أفتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، فتصدق عن أمك” (رواه البخاري ومسلم).
عموم الفائدة وداومها
باب الصدقة الجارية واسع ولا ينحصر في مجال واحد، مادام يعود بالخير على الفرد والمجتمع. من ذلك: حفر الآبار وبناء المدارس والمستشفيات والمساجد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه بعد موته”. (رواه ابن ماجه وابن خزيمة وحسنه الألباني).
وبإمكان المتصدق أن يصرف من ماله في أحد الأبواب ولو مشاركة مع غيره.
كما يمكن أن الاستعانة بالجمعيات الخيرية والإنسانية التي لديها الخيرة والإمكانات الكافية لإنجاز مشروعك الخاص بالصدقة الجارية.
وسيلة لتنمية المجتمع وتحقيق التكافل بين أفراده
فالحكمة من سن الصدقة الجارية هو أن تعم لتصل لأكبر عدد من مستحقيها، كما أنها تستمر في الزمان ولا تنقطع فوائدها.
مثال ذلك طباعة المصاحف وكتب الذكر وتوزيعها على الناس يعتبر في معنى الصدقة الجارية التي تلحق المرء بعد موته، أو حفر بئر وإجراء نهر عند قرية أتعب العطش أفرادها، أو مسجد في بلدة نائية. لما أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه بعد موته” فقوله صلى الله عليه وسلم: “علماً علمه ونشره…أو مصحفاً ورثه” دليل على أن نشر المصاحف وكتب الذكر والعلم يعد من الصدقة الجارية.