من أهم العوامل المساعدة في التصدي للفقر ومعالجة قضايا المساواة والبيئة والصحة بين البشر، هي ضمان حقهم في الوصول إلى الخدمات والفرص بشكل أفضل. وتلعب وسائل النقل دورا مهما في تحقيق ذلك. لكنها في الوقت ذاته تعتبر من أكثر المصادر المسببة للأمراض والمخاطر على الإنسان وغيره من الكائنات الحية، نتيجة الغازات الملوثة للهواء التي تطلقها. فضلا عما تسببه من احتباس حراري في الأرض. لذلك صار البحث حثيثا خلال العقود الأخيرة عن وسائل نقل منخفضة الكربون، تعزز من جودة الحياة وتسهل التماسك الاجتماعي. وسائل رخيصة ومرنة تمكن معظم الناس خاصة في المناطق الفقيرة من المشاركة في تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تسهيل الوصول إلى خدمات التعليم والرعاية الصحية وسائر الخدمات الأخرى. وهو ما بات يُعرف بـ “النقل المستدام”.
عبر مقال “النقل المستدام” ستتعرف على:
النقل المستدام: ما هو؟
المقصود بالنقل المستدام هي تلك الوسائل والحلول التي تُصنف على أنها “خضراء” لتأثيرها المنخفض على البيئة، إضافة إلى دورها في تحسين حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية.
ومن أمثلة ذلك المشي، وركوب الدراجات، واستخدام وسائل النقل العامة، ومشاركة السيارات، واستخدام وسائل النقل التي تعتمد على الطاقة النظيفة.
ففلسفة النقل المستدام تقوم على ترشيد الموارد البيئية التي يتعين علينا المحافظة عليها، وإيجاد توازن بين احتياجاتنا الحالية والمستقبلية.
وقد أشار تقرير النقل العالمي لسنة 2017، الذي حمل عنوان “النقل المستدام للجميع”، أن هذا النوع من النقل مرتبط بأربعة أهداف هي:
أ- وصول الجميع إلى وسائل النقل
خاصة في المناطق الريفية التي يعيش فيها غالبية فقراء العالم. أين تشكل محدودية الوصول إلى وسائل النقل تحديًا رئيسيًا للقضاء على الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 450 مليون شخص في إفريقيا – أو أكثر من 70 في المائة من إجمالي سكان الريف يعانون من عدم وجود بنى تحتية وأنظمة للنقل.
ب- الكفاءة
حيث يتطلب الأمر زيادة كفاءة وسائل النقل من حيث تحسين كفاءة الطاقة المستخدمة، وتوفير بنى تحتية تدعم التطور الاقتصادي ورفاهية الإنسان. وكذا ترشيد استخدام الوقود وزيادة الاعتماد على التقنيات النظيفة.
ت- السلامة
بهدف خفض معدل الوفيات والإصابات والحوادث الناجمة عبر وسائل النقل، وبالتالي تقيل الأخطار المتصلة بالصحة العامة وما يترتب عنها من خسائر اجتماعية واقتصادية مرتبطة بالتنقل غير الآمن.
ث- النقل الصديق للبيئة “الأخضر”
إذ ينبعث من وسائل النقل في العالم 23% من جميع الغازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة. ومن الموقع أن تزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عنها بنسبة 40% بحلول عام 2040.
النقل المستدام : فوائد على الفرد وعلى المدينة
في كندا – مثلا- قدرت إحدى الوكالات المتخصصة أن وسائل النقل المختلفة تمثل حوالي 25 بالمائة من إجمالي الانبعاثات. فمقابل كل 2000 لتر من البنزين المستهلك، تنتج السيارة المتوسطة 4.720 كجم من ثاني أكسيد الكربون، و186.6 كجم من أول أكسيد الكربون، و28 كجم من المركبات العضوية المتطايرة و25.6 كجم من أكاسيد النيتروجين.
وتنصح ذات الوكالة بترك السيارة في المنزل واتخاذ وسائل نقل أكثر استدامة. ومن شأن ذلك أن يحقق الكثير من الفوائد على الشخص وعلى المدينة التي يسكنها. ويشمل ذلك:
- تقليل الازدحام المروري
- خفض تلوث الهواء والمخاطر المرتبطة به مثل الإصابة بالربو
- تقليل انبعاثات الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري
- تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة
- انخفاض تكاليف النقل
- زيادة النشاط البدني
- زيادة التفاعل الاجتماعي
- دعم الشركات المحلية واقتصاد نابض بالحياة
- أنماط حياة أكثر صحة ونوعية حياة أفضل
مدى نجاح حلول النقل المستدام مرتبط بممارسات الأفراد
حددت مدينة كوبنهاجن في الدنمارك هدفًا لتصبح مدينة خالية من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2025. أحد الأهداف الرئيسية في خطتها التنموية هو أن تكون 75٪ من جميع الرحلات الروتينية للناس داخل المدينة سيرًا على الأقدام أو بالدراجة أو عبر وسائل النقل العام. بمعنى آخر نشر ثقافة الاعتماد على وسائل النقل التي تدعم أسس التنمية المستدامة. لذلك دعونا نفصل في بعض وسائل النقل المستدام.
1- المشي
المشي هو أقدم وأبسط وسيلة نقل عرفها الإنسان. فكلنا نفعل ذلك كل يوم، بدرجات متفاوتة. لكن يمكن أن تكون لنا فوائد إضافية من خلال إضافة المزيد من المشي إلى حياتنا اليومية لأن المشي مفيد للصحة والهواء الذي نتنفسه.
للمشي فوائد عديدة منها:
- تحسين الصحة: المشي يعزز أنماط الحياة الصحية من خلال زيادة النشاط البدني، سواء كان للترفيه أو الضرورة، كالذهاب للعمل. يساعد المشي أيضًا في تقليل التوتر وخطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية.
- توفير المال: فالمشي هو وسيلة مجانية تمكنك من توفير الوقود.
- الحد من تلوث الهواء: أي أن تنقلك لن تنتج عنه أي انبعاثات غازات دفيئة أثناء المشي.
- تحسين نوعية العلاقات داخل المجتمعات: يبني المشي إحساسًا بالمكان ويحسن العلاقات الاجتماعية. فالأشخاص الذين يمشون يعرفون جيرانهم ومجتمعهم. كما أن المشي مفيد لتنشيط الاقتصاد المحلي من خلال دعم المتاجر والشركات المحلية.
2- ركوب الدرجات
تعتبر الدراجات من وسائل النقل المستدامة بيئيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. بل قد تكون أكثرها استدامة. وهذا ليس مرتبطاً فقط بالرحلات القصيرة ولكن أيضًا بالرحلات ذات المسافات المتوسطة التي لا يمكن تغطيتها سيرًا على الأقدام.
فقد لا يتسبب ركوب الدراجات في أي ضرر بيئي. فاستخدامها باستمرار يعزز الصحة من خلال النشاط البدني. كما أن الدراجات اقتصادية من ناحية تكاليف المستخدم المباشر لها، ومن ناحية تكاليف البنية التحتية العامة، فأحجامها تشغل مساحات صغيرة مقارنة بالسيارات.
3- التنقل باستخدام وسائل النقل العام
وسائل النقل العام، ويشمل ذلك الحافلات والقطارات ومترو الأنفاق، مفيدة من نواح كثيرة. فاقتصاديًا، تعتبر جيدة من حيث التكلفة. وبيئيا تحافظ على الموارد الطبيعية، وتقلل من تلوث الهواء ومستويات الأوزون الضارة. فلكل كيلومتر يتم قطعه، تنبعث من وسائل النقل العام ملوثات أقل من تلك التي تنبعث من سيارة راكب واحد.
4- مشاركة السيارات
أي أن يشترك أكثر من شخص واحد في سيارة واحدة أثناء التنقل. فمن شأن ذلك التقليل من عدد السيارات على الطريق وبالتالي تقليل الإزدحامات المرورية. بالإضافة فوائد أخرى لمشاركة السيارات منها:
- توفير المال: إذ تقلل مشاركة سيارتك مع آخرين من تكلفة البنزين، مما يقلل من نفقاتك بنسبة 50 ٪ أو أكثر كلما زاد عدد الركاب المرافقين داخل السيارة. إضافة إلى تقليل تكاليف بناء طرق جديدة وصيانة الطرق والتكاليف الصحية المتعلقة بتلوث الهواء.
- مشاركة السيارات أفضل بالنسبة للبيئة: فوجود عدد أقل من السيارات على الطريق يعني تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتحسين جودة الهواء.
- جيد لصحتك: فوفقًا لوزارة البيئة الكندية، يرتبط تلوث الهواء الناجم عن حركة السيارات بعدد من المشكلات الصحية بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية والحساسية والتأثيرات العصبية. فانتشار ثقافة مشاركة السيارة مع آخرين، سيساعد في تقليل هذه المخاطر الصحية.
- هو أمر مريح: تشير الأبحاث أيضًا إلى أن استخدام السيارات المشتركة أقل إجهادًا من تنقل الشخص بمفرده. ضغط أقل ومكافأة إضافية من الرفقة أثناء التنقل.
- أحسن من خيارات التنقل الأخرى: إذ تبرز الفائدة أكثر لدى الأشخاص الذين يعيشون في مناطق تتوفر فيها خدمات نقل محدودة أو غير موجودة. كما أن للشخص أن يضبطها بما يلائم جدوله الزمني، مثل وقت الذهاب للعمل أو العودة إلى المنزل. ولا يحتاج إلى إهدار الكثير من الوقت.