الطفولة في مخيمات النزوح.. برد وجوع وحرمان

2021-03-23

قصة عمر واحدة من آلاف القصص عن الطفولة الضائعة. يحكي بحرقة قلب وعيون تملؤها دموع الخذلان، عن طفولته التي أتم فيها عامه الخامس عشر وهو لا يعرف سو ى خيمة نزوحه الممزقة المصنوعة من أكياس الخيش، ومكبّ النفايات الذي يعتبره مصدر رزقه وأمله في الحياة.

أسرة تحطمت أحلامها على صخرة واقع أليم

عمر هو الطفل الأكبر بين أخوته. فيما يصغره محمد ذو الثالثة عشر عاماً ثم أختهم الوحيدة فاطمة. وأصغرهم أحمد ذو الأربع سنوات الذي لم ير والده منذ ولادته. وأم أنهكتها الأمراض والألم حزنا على زوجها الذي خرج إلى عمله قبل نحو خمس سنوات من قريته متوجها إلى عمله في المدينة، ليختفي بعدها وتنقطع أخباره حتى وصلت أخبار موته. ليترك خلفه زوجة مريضة وأطفالا لا يعرفون من الحياة سوى مرارتها.

نزح عمر من قريته مع والدته واخوته إلى الحدود السورية التركية. ليستقر بهم الحال بين أشجار الزيتون. دون غطاء يقيهم برد الشتاء أو طعام يسدون فيه رمقهم، بقي الأطفال الأربعة ووالدتهم على هذه الحال عدة أيام.


الطفولة الضائعة في مخيمات النزوح.. برد وجوع وحرمان

خرج عمر يجوب الأحياء والشوارع والمخيمات يبحث عما يعينه هو وأخوته ويغير حالهم. لم يجد سوى مكب النفايات، ليبحث فيه عما يساعده. بدأ يبحث بين أكوام القمامة حتى وجد مجموعة من أكياس الخيش المهترئة، أخذها إلى والدته التي قامت بخياطتها وجمعها لتصبح خيمة صغيرة، لا تقي من البرد لكنها تستر الحال أكثر من أشجار الزيتون.

اعتاد عمر أن يخرج كل يوم صباحا برفقة أخيه محمد إلى مكب النفايات، حيث عشرات الأطفال والنساء ممن يجمعهم قاسم مشترك، ألا وهو الفقر والجوع والحرمان. يبحث جميعهم عما يمكن بيعه أو إعادة استخدامه. حيث يجمعون النحاس أو البلاستك أو الملابس وفي أحسن الأحوال قد يجدون آلة كهربائية معطلة يمكن بيعها، أو بعض الملابس قد تناسب مقاس أحد أفراد عائلاتهم، أو ربما أدوات للمطبخ.

وفي ظل هذا الوضع السيء والدخل المادي شبه المعدوم، دار في خاطرنا سؤال كيف يأكلون وماذا؟ فأجاب عمر ” يوم يكون الجو صحوا نطلع على الشغل من الصبح بكير، وعندما نبيع أغراضنا نشتري خبز وكيس زعتر واحد “.

طفولة ضائعة تطلق نداء استغاثة

عمر ليس وحده من يواجه هذا المصير فهناك المئات من الأطفال ممن يبحثون معه في مكبات النفايات. قد تختلف أسمائهم وأعمارهم لكن القاسم المشترك بينهم هو الفقر والجوع. ينتظرون من يرأف بحالهم أو من يسمع صوت ندائه. ينتظرون مساعدتهم في برد الشتاء القارس.. غذاء وشيء لتدفئة عظامهم الواهنة.

ويتابع عمر حديثه عن ملابسه وملابس أخوته: ” أكثر شيء أدوّر عليه بين النفايات ثياب لأخوتي، لأن ما عنا ثياب نلبسها، حتى لما نلاقي ثياب كبيرة أو صغيرة نجيبها للصوبة، لأن ما عنا حطب نشغل عليه الصوبة، نشغلها على الثياب والبلاستيك، وريحتها كثير بشعة، حتى إني صرت أسعل من ريحة البلاستيك”

حرم هذا العمل عمر من طفولته، حتى أمنيات الطفولة وضحكتها لم تعد موجودة، أو ربما أصبحت من الماضي لأنها مستحيلة التحقق، وعند سؤاله عما يتمناه في المستقبل أو عن المهنة التي يمكن أن يعمل بها عندما يكبر سكت عمر ولم يتكلم بشيء، ثم كررنا السؤال مرة أخرى لعله يجيب بشيء، فقال حينها: ” ما بدي أصير شي، بدي أجيب أكل لأهلي وبس” لتخنقه بعدها عبرات الألم والقهر على عائلته.

المقال منشور في العدد 25 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق