دعم سلسلة القيمة للقمح: مشروع نوعي في الشمال السوري

2021-04-07

يعد القمح من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية في سوريا لأنه يدخل في قوت الناس الأساسي (خصوصا الخبز)، ويسهم في تعزيز الأمن الغذائي في بلد يعاني من أزمة متواصلة منذ تسع سنوات، وأوضاع معيشية صعبة خصوصا في أوساط النازحين بالداخل السوري.



كانت سوريا قبل عام 2011 مكتفية ذاتياً على صعيد القمح. وقد بلغ متوسط المساحة المخصصة لمحصول القمح 1.68 مليون هكتار، وأنتجت ما يزيد عن 4 ملايين طن حينها. وبعد 2011 تدهور إنتاج القمح بشكل كبير، وخرجت أكثر من نصف المناطق المنتجة للقمح في شمال وجنوب البلاد عن الإنتاج. وفي 2014 بسبب الأزمة الممتدة وموجة جفاف كان محصول القمح هو الأسوأ منذ عقود حيث انخفض لأقل من 1.7 مليون طن.



تراجع الزراعة

وقد أكد المهندس معن الناصر مدير المؤسسة العامة لإكثار البذار العاملة شمال سوريا لـ ” غراس” أن أسباب تراجع زراعة القمح خلال الأزمة يعود لارتفاع قيمة مدخلات الإنتاج الزراعي وانخفاض العائد الاقتصادي من زراعة القمح وانخفاض جودة ونوعية المدخلات الزراعية، ومنافسة محاصيل أخرى لمحصول القمح (كمون- يانسون- حبة سوداء). كون هذه المحاصيل ذات عائد اقتصادي يتفوق على محصول القمح بعدة أضعاف. إضافة الى هجرة المزارعين لأراضيهم نتيجة الوضع الأمني القلق. مما أدى الى بقاء بضع الحقول بورا لفترات زمنية طويلة، فضلا عن مشكلة التسويق بسبب قلة الدعم لشراء القمح.  

ومن أجل الإسهام في سدّ هذه الثغرة؛ فإن قطر الخيرية تواصل للعام الثاني على التوالي تنفيذ “مشروع دعم سلسلة القيمة للقمح”، والذي يعد مشروعا رائدا في مجاله والأول من نوعه في الشمال السوري نظرا لشموليته في دعم سلسلة القيمة بدءا من توفير المدخلات الزراعية وانتهاء بتوفير الخبز للمجتمع المحلي مرورا بالتسويق. حيث تعتبر صوامع مارع هي الأولى في المنطقة التي تم إعادة تأهيلها وتشغيلها بشكل كامل كما كانت عليه قبل الأزمة.

يقول المهندس زكريا المطير مسؤول برنامج الأمن الغذائي وسبل العيش لقطر الخيرية في مكتب تركيا والمشرف الفني والتقني لمشروع دعم سلسلة القيمة للقمح متحدثا لـ ” غراس” عن أهمية المشروع: إنه يدعم محصول القمح من البذرة حتى رغيف الخبز، وتوزيعه على المستفيدين في منطقة يتوفر فيها مساحات زراعية كبيرة، وتحويل الإنسان إلى منتج يأكل مما يزرع.

ويوضح أن مما يزيد من الأهمية الاستراتيجية للمشروع تأكيده على الاعتماد على الذات وتعزيز قدرة المجتمع المحلي على تلبية احتياجاته الأساسية. ودمج المشروع بين جميع مكونات سلسلة القيمة للقمح. حيث تم تصميمه لسد الفجوة الحاصلة من خلال دعم تسويق وتخزين القمح، وتوفير مدخلات إنتاج القمح، بالإضافة إلى إنتاج الطحين وتوزيع الخبز.



أنشطة المشروع: من البذرة حتى رغيف الخبز

وحول أنشطة المشروع الرئيسية يتحدث المطير منوها بأن المشروع يتضمن عدة أقسام كان من أولوياتها تأهيل صوامع الحبوب بطاقة تخزينية تقدر بـ 12 ألف طن قمح، وتوفير مطحنة جديدة بطاقة إنتاجية 50 طن طحين يوميا، وشراء أكثر من 1000 طن قمح، وتوزيع خبز مدعوم. ناهيك عن دعم المزارعين بالمدخلات الأساسية لزراعة القمح، وتقديم دعم فني للمزارعين من خلال جلسات توعية، وإعادة تأهيل بناء المطحنة القديم، وبناء مستودع جديد لتخزين الطحين، بالإضافة إلى وتدريب كادر المطحنة والصوامع.

وبحسب المهندس زكريا المطير فان أهمية المشروع تأتي من زيادة الاعتماد على الذات وتعزيز قدرة المجتمع المحلي على الصمود. ولدمج المشروع بين جميع مكونات سلسلة القيمة للقمح حيث تم تصميمه لسد الفجوة الحاصلة من خلال دعم تسويق وتخزين القمح، توفير مدخلات إنتاج القمح، بالإضافة إلى إنتاج الطحين وتوزيع الخبز.

وقد غطّى المشروع احتياجات 200 عائلة، حيث تم تخصيص دعم لكل عائلة منها بمساحة هكتار، وشملت المدخلات الزراعية لكل مستفيد: 250 كغ بذور قمح, 250 كغ سماد يوريا، 200 كغ سماد مركب، 163 لتر مازوت من أجل الريّ التكميلي بالإضافة إلى مبيدات الآفات والأسمدة، وهو ما أسهم في تطوير وتحسين الإنتاج، ولم تتوقف قطر الخيرية عند ذلك بل عملت على شراء محصول القمح بأسعار منافسة بواقع طن من مادة القمح. والاستفادة منه ضمن آلية لإعادة دعم أبناء المنطقة بمادة الخبز.



صوامع مارع

وبحسب المهندس هشام بكرو المشرف على عملية ترميم الصوامع فإن صوامع مارع التي تم ترميمها من طرف قطر الخيرية خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر في إطار المشروع هي عبارة عن 12 خلية بسعة تخزين 1000 طن لكل منها، وكانت قد خرجت الصومعة عن الخدمة خلال سنوات الازمة، وتضرر جزء كبير منها بسبب الأوضاع الأمنية،  وأشار إلى أنه في حال استخدمت الصومعة بسعتها الكلية فإنها تكفي لإمداد منطقة مارع( 75 ألف نسمة) بالقمح اللازم للطحين من أجل إنتاج الخبز لمدة سنتين تقريبا، كما يمكنها أن تكفي مناطق مارع وأخترين وصوران مجتمعة والبالغ عدد سكانها ما يزيد عن 250 ألف نسمة لمدة تزيد عن ستة أشهر.

وتعتبر المطحنة عبارة عن خط متكامل حديث يبدأ بالغربلة والتنظيف، ثم الترطيب والتخمير، ومن ثم الطحن والتعبئة، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 50 طنا من الطحين في اليوم الواحد، ويمكن أن تصل إلى 60 طنا، مع العلم ان حاجة ناحية مارع من الطحين يوميا 16 طن وعدد سكانها حوالي 75 ألف نسمة.

إنتاج الخبز 

وقد أكملت قطر الخيرية مشروعها بدعم سلسلة القيمة للقمح بإنتاج الخبز الذي كان يشكل مصدر قلق لأبناء المنطقة وخاصة النازحين منهم نظراً لارتفاع سعره، وعدم توفره إذ يعد رغيف الخبز المادة الأساسية للسكان المحليين شمال غرب سوريا.

ويقول المهندس أسامة الخلف مدير المشروع ان أهمية نشاط الخبز تكمن في كون الخبز هو أهم مادة غذائية للسوريين ويعتمدون عليها في غذائهم، وأكد أنه خلال هذا النشاط تم توزيع 1155 طنا من الخبز لفائدة 23 ألف مستفيد في منطقة مارع خلال ستة أشهر.



عودة الروح .. انطباعات المستفيدين

وقد ترك المشروع أثرا مهما على حياة المستفيدين منه خصوصا المزارعين أو النازحين المستفيدين من إنتاج مادة الخبز.

 عن ذلك قال المزارع أسامة الرحمون 37عاما المنحدر من قرية الحميدية في منطقة مارع والمعيل ل 7 أفراد “إن الأرض قطعة من روحي، كنت أشعر دائماً بغصّة في قلبي، بسبب عدم امتلاكي القدرة المادية على تحمل تكاليف الزراعة حيث أرهقنا النزوح المتواصل وقضى على مدخراتنا المالية، ناهيك عن ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية وعدم وجود سوق تصريف وقف حائلا أمام إتمام عملية الزراعة لأكثر من 4 سنوات متواصلة”، وأضاف أما اليوم وفي ظل مشروع قطر الخيرية عادت الروح للجسد سيما في وقت الحصاد الذي أبهج قلوب الكثير من المزارعين، وأردف قائلا:  “إن مدخول الأرض مع راتبه البسيط من الوظيفة بات يحقق له استقرارا ماديا، ولم يعد بحاجة للاستدانة من أحد لتوفير متطلبات العيش”.

من جهة أخرى قال السيد خالد العمر 46 عاما النازح من ريف دمشق والمقيم بمنطقة مارع (يعيل التي تتكون من 6 أفراد):

أعمل بـ “اليومية” والأجر متفاوت بحسب العمل، ومهما كان الأجر جيدا إلا أن نصفه كان يذهب لتأمين الخبز، وبالرغم من ذلك كنا نعتمد على البرغل في سدّ رمق كثير من الأيام. لم نكن نستطيع شراء الخبز قبل مشروع قطر الخيرية الذي حقق فارق سعر أخفض بثلاثة أضعاف عن سعره القديم عدا عن وصولنا السهل للخبز المتوفر عند أماكن البيع المعتمدة.


معرض صور خاصة بمشروع دعم سلسلة القيمة للقمح في الشمال السوري

المقال منشور في العدد 25 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق