الصدقة عبادة عظيمة ثبت الترغيب فيها. من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل (رواه البخاري ومسلم). وللصدقة فوائد كثيرة، منها أنها تقي مصارع السوء، وتدفع البلاء. وأبواب الصدقة كثيرة وطرق البذل متنوعة، ومن حسن تصرف المتصدق أن يبحث عن أفضل مصارف الصدقة، ويدفعها إلى من تزكو به ويعظم أجره بدفعها إليه. فتُدفع له مباشرة أو تُرسل له، سواء داخل البلد أو في البلدان التي بها فقراء، عبر الجمعيات الخيرية أو المنظمات الموثوقة التي تتولى توزيعها على مستحقيها. وسؤال هذا المقال هو: ماهي الأصناف التي تجوز فيها الصدقة؟
ستتعرف عبر هذا المقال على:
ما هي صدقة التطوع؟
يشمل لفظ الصدقة الزكاة الواجبة وصدقة التطوع. والزكاة الواجبة تتعلق بأنواع مخصوصة من المال بشروطها. أما صدقة التطوع فمستحبة وليس بواجبة لكنها عظيمة الثواب ومرغب فيها.
والأفضل في صدقة التطوع أن يتصدق بها المحسن على الأقربين فيقدم الأقرب فالأقرب مع مراعاة أشدهم حاجة.
أفضل مصارف الصدقات وأعظمها أجرا
ذكر الغزالي في الإحياء ست صفات يجعل الدفع إلى المتصف بها أعظم أجراً وأكبر مثوبة:
1* أن يكون من الأتقياء، لأن التقي يستعين به على التقوى فيكون المتصدق شريكاً في طاعته بإعانته على ذلك.
2* أن يكون من أهل العلم فيكون ذلك إعانة له على العلم. لأنه إذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم.
3* أن يتصف بالمتصدق له بالتقوى والعمل بالتوحيد. وتوحيده أنه إذا أخذ الصدقة حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد لله سبحانه وهو أن يرى أن النعمة كلها منه.
4* أن يكون المتصدق له مستتراً مخفياً حاجته لا يكثر البث والشكوى. قال تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) (البقرة – 273).
5* أن يكون معيلا أو محبوسا بمرض أو بسبب من الأسباب.
6* أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم. جاء في الحديث: الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. (أخرجه الترمذي).
الصدقة على الأقارب
إن الصدقة على الأقربين مرغب فيها بخصوصها، وهي من حيث الأصل أفضل من الصدقة على غيرهم، قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {البقرة:215}.
لكن قد توجد حالات تكون فيها الصدقة على البعيد أولى وأفضل منها على القريب.
إعانة الوالدين
إذا كان هذا القريب أحد الوالدين، فلا شك أن فضل الصدقة يزيد أكثر لما يضاف إليها من معاني البر والإحسان إلى الوالدين المأمور بهما شرعا.
أما إن كانا يكفيان حاجاتهما الأساسية، فإعطائهما من صدقة التطوع للتوسعة عليهما، فهذا فعل حسن جميل.
التصدق على الزوج والأولاد
الإنفاق على الزوج والأولاد على سبيل الصدقة فيه الجمع بين الصدقة والصلة. ففي الصحيحين عن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما أنها قالت: يا رسول الله، أيجزئ عنا أن نجعل الصدقة في زوج فقير، وأبناء أخ أيتام في حجورنا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك أجر الصدقة، وأجر الصلة.
كما جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود: زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ.
بل ويجوز يجوز دفعها لهم ولو كانوا أغنياء، لأن الصدقة تجوز للأغنياء.
صدقة التطوع للأغنياء
تجوز صدقة التطوع على الأغنياء، بل ويثاب صاحبها عليها. وإن كان الأفضل أن يتحرى المتصدق بصدقته أهل الفقر والحاجة. قال النووي ـ رحمه الله ـ تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف. إذ يجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل.
الصدقة على الأيتام
تجوز صدقة التطوع على الأيتام ولو كانوا أغنياء بمالهم. أما إن كانوا فقراء فهم أحق بها على كل حال. جاء لما في الصحيحين: أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود جاءت إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسأله هل تجزئ الصدقة عنها على زوجها وأيتامها… قالت: فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة.
حكم الصدقة على العُصاة
إذا كان الشخص من العصاة الفساق الذين ينفقون بعض أموالهم في الحرام فلا يجوز أن تعطى له، لما فيه من التعاون على الإثم، والله جل وعلا يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
جاء في أسنى المطالب: يُحرم دفع صدقة التطوع إلى العاصي بسفره أو إقامته، إذا كان فيه إعانة له على ذلك، وكذا يحرم دفعها إلى الفاسق الذي يستعين بها على المعصية وإن كان عاجزاً عن الكسب.
أما إذا كان المتصدق له سينفق ماله في الأمور المباحة فلا حرج من ذلك – إن شاء الله – ولو كان غير مستقيما. بل أن المتصدق مأجور بإذن الله على الإحسان إليه. لكن ينبغي عليه أن ينصحه ويأمره بالمعروف وينهه عن المنكر، فذلك من أعظم أنواع الإحسان. وقد يكون إحسانه إليه بالمال سبباً في قبولهم النصح.
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني، فأتى فقيل له: أما صدقتك على سارق، فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية، فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني، فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله.