لاجدال حول المقولة الرائجة في مختلف ثقافات العالم، التي تقول أن لا حياة بدون ماء، فلطالما شكّل الماء عاملاً في تشكل الحضارات القديمة ومهدا لنموها وازدهارها. فمن البديهي ارتباط هذا التطور والازدهار بالقرب من مصادر المياه . بل واقتران حياة السكان في تلك الأزمنة الغابرة بنهر أو بحوض أو بحيرة عذبة. فلا يحتاج الباحث في تاريخ تلك الحضارات أن يمعن النظر طويلاً حتى يربط قيام كل حضارة بوجود مصدر للمياه. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو ما حال بقية أطراف العالم التي لا تحوي مصادر مياه سطحية في تلك الفترة؟ وكيف جابه الإنسان الحياة في ظل غياب الماء المتدفق إلى السطح وعدم قدرته على حفر الآبار؟
ندرة المياه المتدفقة إلى السطح وراء فكرة حفر الآبار
من المسلمات التي لا يختلف عليها اثنان أن ندرة المياه السطحية من أنهار وبحيرات ومنابع أو بعدها عن التجمعات السكانية، كان السبب الرئيسي وراء فكرة حفر الآبار عبر التاريخ.
فلم تذكر الدراسات تاريخا أو فترة زمنية محددة ترجع إليها بداية ذلك. إلا أن الرائج أن الإنسان أتقن ذلك منذ أقدم الحضارات قبل الميلاد. بل هناك من الباحثين من ينسب بداية حفرها إلى العصور الحجرية والأدلة على ذلك كثيرة ومتنوعة بين وجود بعضها موغلة في القدم من جهة ووجود آلات حفر تعود إلى تلك الحقبة من جهة أخرى.
وكما ذكرنا سابقاً فإن الحضارات التي قامت بمحاذاة مصادر الماء لم تكن في حاجة للبحث عنه تحت الأرض. ولو أن طرقا مشابهة لحفر الآبار استخدمت في تخزين مياه الأنهار كشق الترع (وهي حفر تشبه الآبار) الذي عُرف عند الفراعنة، على جوانب نهر النيل عند فيضانه لتشكل مصادر للمياه بعد انخفاض المد في فترة الجفاف.
لكن الغالب أن بداية حفر الآبار تنسب إلى الحضارات التي قامت في الأماكن الجافة الخالية من مصادر المياه السطحية، كالحضارات المتعاقبة ببلاد اليمن وما جاورها من تجمعات بشرية بشبه الجزيرة العربية. حيث عُرف عن هذه الحضارة ابتكارها لعدة طرق لتدارك النقص في المياه من بينها بناء السدود وحفر الآبار الجوفية.
آبار موغلة في القدم
بالرجوع إلى منطقة شبه الجزيرة العربية التي كثرت فيها الحاجة لحفر الآبار، نجد واحداً من أقدم وأشهر الآبار عبر التاريخ – بئر زمزم – الذي يعود حفره إلى زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقد أعيد حفره بعد أن طمرته الرمال على يد أبي طالب جد الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة.
ويقع هذا البئر على بعد عشرين متراً من الكعبة الشريفة. ومياهه وموقعه المقدسين عند المسلمين جعلاه من أشهر الآبار عبر التاريخ إن لم نقل أنه أشهرها. وغير بعيد عن بئر زمزم ودائما ضمن النطاق الجغرافي للملكة العربية السعودية بمدينة تيماء الأثرية واحدٌ من الآبار النادرة التي صمدت عبر عصور طويلة وبقيت تنضح بالماء إلى يومنا هذا.
الآبار في عصرنا الحاضر
مع التقدم التكنولوجي الهائل التي تعرفه البشرية ازدادت حاجة الإنسان إلى الماء، وازدادت معها الحاجة إلى التنقيب عنه جوفياً خاصة في المناطق التي تعرف ندرة في مصادره السطحية. ومن أشهر الطرق في زمننا ما يعرف بالآبار الارتوازية، حيث تُسمى المناطق التي يمكن فيها حفر هذا النوع من الآبار بالأحواض الارتوازية وتأتي كلمة ارتوازية من أرتوا إحدى مقاطعات فرنسا. وقد تم حفر أول الآبار الارتوازية في القرن الثاني عشر الميلادي حيث كانت عبارة عن ثقوب ذات قطر صغير تحفرها آلات خاصة وصولا إلى المياه الجوفية، فتصعد المياه عبر تلك الثقوب دون الحاجة إلى مضخة، وإن تعذر صعود المياه تزود بمضخات خاصة باستخراج الماء عبر أنابيب متصلة بها تدخل عبر تلك الآبار.
حفر الآبار والعمل الخيري
يشكل حفر الآبار اليوم أحد أهم الأعمال الخيرية التي تسعى الجمعيات الخيرية والمنظمات المعنية بالاستثمار فيه، لا سيما مع ما يعرفه العالم من تغير مناخي أدى إلى ظهور أقاليم واسعة تعاني الجفاف عبر العالم، وفي ظل غياب المياه ظهرت مشاكل أخرى كنقص الغذاء بتلك المناطق، لذا نجد بعض أيادي الخير تسارع إلى حفر آبار بتلك المناطق عملاً بمقولة افتُتح به هذا المقال وهي الماء سر للحياة ومن المناطق التي تعرف حاجة ماسة لذلك هي أغلب الدول الإفريقية الواقعة ضمن منطقة في الصحراء الأفريقية الكبرى وصولاً إلى الساحل الإفريقي المطل على المحيط الهندي.
ذباح إسماعيل
ملاحظة: يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.