ثمة احتياج أكبر لمزيد من المبادرات والحملات الإنسانية التي توفر الملابس الشتوية لأهل غزة في ظل النزوح والحصار، فيما تحتاج هذه الجهود الخيّرة لمواصلة دعم أهل الخير وأصحاب القلوب الرحيمة ليكون شتاء العزّيين أكثر دفئا وسلامة.
جدول المحتويات
مناطق الأزمات ومعاناة النزوح والبرد
في مثل هذه الأيام ومع ازدياد برد فصل الشتاء تشتد حاجة الناس عموما إلى متطلبات الدفء من ملابس ووقود وغذاء، من أجل الوقاية من الأمراض، وتجنب مخاطر الموت المصاحب للتجمد أحيانا، خصوصا في الدول والمناطق التي تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
وتبدو حاجة الفئات التي تعاني من أوضاع استثنائية كالمشرّدين واللاجئين والنازحين أكبر للملابس الدافئة والمستلزمات التي توفر الدفء لهم، لأنهم يعيشون بلا مأوى آمن يحميهم، فضلا عن ظروفهم المعيشية الصعبة التي لا تسمح لهم بتأمينها.
قطاع غزة والمخاطر المضاعفة لنقص الملابس الدافئة
ويعدّ قطاع غزة مثالا صارخا على المعاناة الإنسانية الصعبة للسكان الذين يواجهون للعام الثاني على التوالي برد الشتاء في ظل أوضاع مأساوية مؤلمة، ويكفي للتدليل على ذلك أن نحو 1.9 مليون شخص من الغزّيين نازحون، أي 9 من بين 10 أشخاص اضطروا عنوة لترك منازلهم والإخلاء قسرا أكثر من مرة إلى الأماكن التي ظنوا أنها آمنة، وفقا لتقديرات المنظمات الإنسانية الدولية.
كما يزيد من قسوة هذه المعاناة عدم توفر ما يحتاجونه من الملابس الدافئة ووقود التدفئة بسبب عدم السماح بدخول هذه المواد للقطاع أو المماطلة في إدخالها، وهذا ما أكده المفوض العام لوكالة “الأونروا”، فيليب لازاريني، منوها بأن الأغطية والإمدادات الشتوية ظلّت عالقة منذ أشهر، في انتظار الموافقة على إدخالها إلى القطاع. وبسبب تأثيرات هذا الوضع حذّر لازاريني في ذات الوقت من أن أطفال غزة يتجمّدون حتى الموت بسبب البرد ونقص مستلزمات المأوى، ومنها الملابس والأحذية، وجدد القول بضرورة “وقف إطلاق النار بشكل فوري في غزة للسماح بدخول الإمدادات الأساسية المطلوبة بشدّة”، مع تشديده على أن “الحاجة إلى الاستجابة لمتطلبات فصل الشتاء في غزة أصبحت أكثر”.
وبحسب التقارير الأممية والدولية، يُترك مئات الآلاف من المواطنين في قطاع غزة، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، دون ملابس كافية تحميهم من البرد القارس مع دخول فصل الشتاء، في ظل بقاء الغالبية العظمى من النازحين في خيام لا تقيهم البرد والمطر، وتنذر هذه الظروف الكارثية بزيادة تعرض المواطنين لأمراض خطيرة، مثل التهابات الجهاز التنفسي وغيرها من الأمراض المرتبطة بالبرد، خصوصا مع عدم توفر العناية الطبية اللازمة.
ردود فعل مؤثرة للآباء والأمهات في غزة
وبمتابعة العديد من التقارير الإخبارية الميدانية التي أعدتها وكالات أنباء ووسائل إعلام ومؤسسات إنسانية يمكن رصد ردود فعل تأثير حجم نقص الملابس الدافئة في ظل برد الشتاء على لسان عدد من الآباء والأمهات من أهل غزة الذين استطلعت آراؤهم ومنها:
ـ “لا يوجد عندنا ما نكتسيه، ولا زلنا نرتدي ملابسنا الخفيفة رغم برودة الطقس”
ـ “نشعر نحن وأطفالنا أن عظامنا تتكسّر من شدة البرد ليلا في الخيام، وننتظر بزوغ الفجر لتشرق الشمس وتعطينا بعضا من دفئها على أحرّ من الجمر”.
ـ “لعدم توفر ملابس كافية لهم، يتناوب أولادي على الكسوة المتوفرة لهم”.
ـ “لا نملك حتى ملابس شتوية. أطفالي يرتدون ملابسهم الصيفية مع المعاطف فوقها، وعند النوم يرتدون تلك المعاطف كيلا يشعروا بالبرد”.
ـ “يبيت أطفالي بالقرب مني للحصول على الدفء، ينامون متلاصقين أملا في ليلة دافئة وآمنة وسط البرد والقصف”.
مبادرات وحملات توفير الملابس الشتوية لنازحي غزة
ولعل مجمل ذلك استدعى إطلاق حملات من قبل المنظمات الخيرية ومبادرات من الفعاليات المجتمعية التطوعية على مستوى العالم، بما فيها حملات من داخل قطاع غزة وذلك للالتفات إلى هذا الواجب الأخوي والإنساني، وتجنيب أهل غزة ومن هم في مثل أوضاعهم أخطار غياب احتياجات الدفء، وإعطاء هذا الأمر أولوية خاصة، ومواصلة حثّ أصحاب العطاء والبذل لدعم هذه الحملات والمبادرات، من أجل الوصول إلى أكبر عدد من المتضررين بسبب هذه الأزمات.
“إبرة وخيط” .. مبادرة من داخل غزة
من نماذج المبادرات التي انطلقت من داخل غزّة خلال هذا الموسم مبادرة “إبرة وخيط”، لصنع الملابس الشتوية التي أطلقتها السيدة نداء عطية، من خلال تدوير البطانيات وتحويلها لملابس للنازحين مع دخول فصل الشتاء الحالي، إذ لا حلّ متوفرا غير ذلك بسبب شحّ وجود الملابس الدافئة هناك.
تقول السيدة نداء لوكالة “سبوتنيك” عن مبادرتها:” مشغل إبرة وخيط نتج بسبب احتياج حقيقي، فقد جاء فصل الشتاء للمرة الثانية في ظل الحرب، دون دخول الأقمشة أو الملابس للقطاع، والنازحون يحتاجون للملابس الدافئة في فصل الشتاء، مثل احتياجهم للطعام، ولأجل مواجهة أزمة شحّ الملابس وغلائها، قمنا بهذا المشروع، ومن خلال هذه المبادرة نحاول توفير جزء من كسوة الشتاء للنازحين، عبر إعادة تدوير البطانية الحرارية وتحويلها إلى ملابس شتوية، تناسب الأطفال والكبار”
وتعتمد نداء في مبادرتها على متطوعين للعمل، وبعضهم يحصلون على أجر بسيط، وتباع الملابس التي يتم صنعها، بربع أو أقل من سعر الملابس في قطاع غزة، وتكون التكلفة أقل بكثير لمن يحضرون معهم بطانيات.
توفير الألبسة الشتوية في إطار حملة “لين متى؟”
ومن نماذج حملات الشتاء التي يتواصل تنفيذها خارج فلسطين خلال هذا الموسم حملة “لين متى؟” لتوفير المساعدات الإغاثية الشتوية لعام 2024 ـ 2025 التي أطلقتها قطر الخيرية في شهر نوفمبر الماضي، وتم التركيز فيها على قطاع غزة وفلسطين ومناطق الأزمات الأخرى كسوريا والسودان واليمن وغيرها والمناطق الأشد برودة واحتياجا، وتضمنت منتجات الحملة التي تحتاج إلى دعم “حقيبة الملابس الشتوية”. وقد اشتملت أولى مساعدات الحملة التي وزعتها قطر الخيرية على النازحين في غزة مطلع ديسمبر 2024 على أكثر من 18,000حقيبة ألبسة شتوية متكاملة وأحذية للأطفال و4,600 بطانية، كما وزعت مساعدات أخرى في نطاق الحملة عليهم أيضا.
وما زالت جهود قطر الخيرية وغيرها من المؤسسات الإنسانية متواصلة في هذا المجال، وباب التبرعات مفتوح من أجل تلبية الحاجة وسد الفراغ الكبيرين المتعلقين بتوفير الملابس الشتوية الدافئة لهم.