ندوة غراس: جهود التعافي وإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب

2025-02-09

بعد كل حرب، تبرز الحاجة الملحة إلى جهود التعافي وإعادة الإعمار لمحو آثار الدمار واستعادة الحياة الطبيعية للمجتمعات المتضررة، خصوصا عندما تكون المأساة أكبر وأشد كما هو الحال في الحرب على قطاع غزة التي خلفت وراءها دمارًا واسع النطاق في البنية التحتية والمنازل والمرافق العامة، بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية، ما يجعل جهود إعادة الإعمار ضرورة حيوية لضمان استدامة الحياة وتوفير مقومات العيش الكريم لأهلها.



وكرؤية استشرافية للمستقبل نظمت “غراس” ندوة بعنوان “جهود التعافي وإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب…رؤية استشرافية”، لمناقشة الأهمية التي يكتسبها التخطيط المسبق لإعادة الإعمار ووضع الاستراتيجيات له والتحديات الرئيسية التي تواجه ذلك إضافة إلى دور المنظمات الأممية والمؤسسات العربية والإسلامية في مجال التعافي وإعادة الإعمار بعد الحرب في غزة

تحدث في الندوة كل من:

  • السيد رامي عدوان – اخصائي أول علاقات خارجية بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (UNRWA)
  • السيد إبراهيم خالد البدر-نائب المدير العام للاتصال المؤسسي بالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت
  • السيد عشرت الله دار القرار – خبير في مجال العمل الإنساني

التخطيط والاستراتيجيات

وفي مستهل الندوة، تحدث السيد عشرت الله دار القرار الخبير في مجال العمل الإنساني، عن الأهمية التي يكتسبها التخطيط لإعادة الإعمار وجهود التعافي في قطاع غزة، قائلاً: إن التخطيط لجهود إعادة الإعمار والتعافي هو أمر بالغ الأهمية ويجب أن يتم بشكل شامل ومنسق. ففي مرحلة التخطيط يجب على المجتمع الدولي بالتنسيق الوثيق مع السلطات المحلية أن يقوم بإجراء تقييم شامل للاحتياجات والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، لمعرفة الاحتياجات الحقيقية للسكان المتأثرين وإعطائها الأولوية لإعادة بناء المنشآت التي تلبي الاحتياجات الأساسية، مثل وحدات السكن والمرافق الصحية والمدارس ومشاريع إمدادات المياه لضمان توفير الخدمات العاجلة للسكان المتأثرين.

وأضاف أن ذلك يمكن أن يتم على مرحلتين: بدءاً من التدخلات في مرحلة التعافي المبكر مثل توفير المأوى الانتقالي وبناء بنية تحتية شبه دائمة للمستشفيات والمدارس، ثم، بمجرد استقرار الوضع الأمني، يتم تحويل التركيز من التعافي المبكر إلى مبادرات إعادة الإعمار. وأكد على أهمية إعطاء الأولوية للمشاريع التي يمكن أن تسهم في تحفيز الاقتصاد المحلي، مثل إعادة بناء الأسواق والمرافق التجارية، مما يساعد على خلق وظائف جديدة وتقليل معدلات البطالة.

وتطرق السيد عشرت الله إلى أهم الملامح والخطوط العريضة لاستراتيجيات التخطيط لإعادة الإعمار وإنعاش القطاع التي يجب العمل عليها، حيث يرى أن إعادة إعمار قطاع غزة والتعافي منه يتطلب استراتيجيات شاملة ومتكاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبنية التحتية.

وذكر أن التنسيق بين المنظمات الدولية والجهات المانحة أمر ضروري لتحديد الأولويات بناءً على الاحتياجات على الأرض وتوفير التمويل المطلوب لجهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، والعمل مع السلطات المحلية والمنظمات لضمان تنفيذ المشاريع بشكل فعال ومستدام، والأخذ بعين الاعتبار معايير الاستدامة عند اختيار مشاريع إعادة الإعمار لضمان أن تكون البنية التحتية الجديدة مقاومة للتحديات المستقبلية، مثل الكوارث الطبيعية أو النزاعات المستقبلية. 

ويعزز هذا الحديث ما أكده السيد إبراهيم خالد البدر – نائب المدير العام للاتصال المؤسسي بالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، على أن الحاجة ماسّة وملحة لبرنامج إعادة إعمار شامل ومستدام بعد انتهاء الحرب مباشرة. لذا وجب على صانعي القرار والجهات العاملة في القطاع الخيري وضع استراتيجية لإعادة إعمار قطاع غزة تلائم الوضع السياسي والاقتصادي والأمني للقطاع، لاسيما أن القطاع يحتاج إلى تدخلات إغاثية وإيوائية عاجلة وإدخال المساعدات الطبية، والغذائية لإغاثة مليوني شخص في القطاع يعيشون في ظروف بائسة ويعانون الجوع والبرد. كما يجب على المؤسسات العاملة التدخل لتنفيذ مشاريع إزالة الركام والحطام وفتح الطرقات بين جنوب وشمال القطاع لإتاحة وصول الشاحنات الإغاثية إلى جميع مناطق القطاع.

وأضاف أنه يجدر بالمؤسسات والمنظمات المتخصصة في مجال التعافي وإعادة الإعمار البدء بوضع تصور أولي لإعادة إعمار غزة وفتح قنوات تواصل مع السلطات المركزية والمحلية، ومع جميع المنظمات الخيرية والدولية والمحلية ومع مؤسسات المجتمع المدني لهذا الغرض، والدعوة إلى مؤتمر دولي يؤسس فيه “صندوق إعمار غزة” وإطلاق نداء لحشد تمويل الصندوق.

وأشار البدر إلى أن تقارير المنظمات الأممية المختصة، بالإضافة إلى الآثار الكارثية التي خلفتها الحرب الحالية على القطاع؛ دفعت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وشركاءها المنظمين لمؤتمر الشراكة التاسع إلى اتخاذ خطوات عملية لتحقيق تضافر الجهود الإنسانية على مستوى العالم للنهوض بدور فاعل وذي أثر في رفع المعاناة عن سكان قطاع غزة، الذين يتجاوزون 2.2 مليون نسمة معظمهم من الأطفال والنساء، بهدف التخفيف من حدة الظروف غير الإنسانية التي تعصف بالقطاع وسكانه.

احتياجات إنسانية

ويستند التخطيط لإعادة الإعمار والاستراتيجيات المرتبطة به إلى تقييم الاحتياجات، وفي هذا الصدد قال السيد رامي عدوان – أخصائي أول علاقات خارجية بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (UNRWA) أن تقييمات الأونروا تشير إلى أن الوضع في قطاع غزة عقب الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 مأساوي، حيث تم تهجير حوالي 1.9 مليون شخص، أي ما يعادل 90% من السكان، وأغلبهم تم تهجيرهم عدة مرات.  وأن الظروف الإنسانية صعبة للغاية، حيث يعيش الناس في مراكز إيواء تابعة للأونروا مكتظة، ومباني مدمرة، وخيام مؤقتة.

وأضاف أن مستويات الدمار في غزة لا تُصدَّق. وأن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من نصف البنية التحتية في قطاع غزة قد تضررت أو دمرت حتى مايو 2024. وقد أدى استمرار المعارك والقصف إلى مزيد من الدمار للبنية التحتية الحيوية، حيث تضررت أكثر من نصف مباني الأونروا في غزة جراء الحرب، وبعضها دُمر بالكامل. كما تعرضت أكثر من ثلثي مدارس الأونروا (العديد منها يستخدم كملاجئ) للضربات.

من جهته يرى السيد إبراهيم خالد البدر-نائب المدير العام للاتصال المؤسسي بالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، أن الاحتياجات ضخمة وتراكمية وهناك معاناة وآلامًا للمدنيين الذين لم يتعافوا بعد من آثار الحروب السابقة، ولم يتمكنوا من إعادة إعمار مساكنهم المدمرة، كما أن آلة التدمير نفذت سياسة الأرض المحروقة والأحزمة النارية دون أن تستثني المدنيين والأحياء السكنية، والبنية التحتية؛ بما فيها المدارس والمشافي، ومحطات الكهرباء، والمياه، وشبكات الصرف الصحي، فضلًا عن المساجد والكنائس.

وتضيف تلك الاحتياجات التراكمية السابقة لإعادة الإعمار في غزة أعباء على خطة الإعمار المستقبلية وتستدعي في الوقت نفسه إيجاد حلول جذرية للتراكمات السابقة ووضع سياسات واستراتيجيات خاصة بالقطاع لإعادة إعماره وتنميته على المديين القريب والبعيد، مع الأخذ في الاعتبار توفير الحلول العاجلة والمؤقتة للسكان من مأوى ومرافق صحية وتعليمية وتشغيل محطات الكهرباء والصرف الصحي.


عشرت الله دار القرار – خبير في مجال العمل الإنساني – قطر الخيرية

تحديات رئيسية

وفيما يخص الصعوبات والتحديات على ضوء التكلفة وحجم التمويل الدولي المرتفع والمدة اللازمتين لإعادة الأعمار وجهود التعافي،  أوضح عشرت الله أنه على الرغم من تصريحات الأمم المتحدة بأن إعادة إعمار غزة قد تستغرق 15 عاما وبتكلفة تقدر ب 40 مليون دولار إلا أنه من المبكر معرفة المبلغ الدقيق للأضرار والتكلفة المقدرة للتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة، حيث أن الوضع يتغير باستمرار بسبب العديد من التحديات منها  إزالة الحطام التي تُعد من أهم التحديات، والتي قد تتطلب استثمارات ضخمة من المنظمات الإنسانية حيث أنه  لا يمكن تحقيق التعافي المبكر وإعادة الإعمار دون إزالة الحطام من مواقع المباني المدمرة.

وأشار أيضا إلى صعوبة تقييم الأضرار الدقيقة للبنية التحتية والتكلفة المرتبطة بإعادة الإعمار مع استمرار القصف والهجمات، إلى جانب صعوبة التواصل مع الفرق الميدانية وأصحاب المصلحة والموردين بسبب تدمير بنية الاتصالات التحتية، إضافة إلى سلامة الفرق الميدانية في ظروف الحرب يجعل من الصعب ضمان تدابير الأمن والسلامة للفرق الميدانية لإجراء تقييم الاحتياجات لمبادرات التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

من جهته  لفت السيد إبراهيم خالد البدر-نائب المدير العام للاتصال المؤسسي بالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت إلى أن المنظمات الإنسانية لا تزال تواجه العديد من العقبات، مشيرا إلى القيود المادية والإدارية المفروضة على حركة الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، إضافة إلى القيود المفروضة على تنفيذ المشاريع التي تشمل بناءً أو توسيعًا أو إعادة تأهيل للبنية التحتية، وقد أعاقت هذه العقبات قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدة والحماية  للفلسطينيين، إضافة إلى استمرار إغلاق معبر رفع مع مصر ، هذا كله بالإضافة إلى اتباع الدول المانحة على مستوى التمويل نهجًا تجزيئيًا لا يحقق التكامل بين التدخلات المتنوعة، فضلًا عن أن إعادة الإعمار يواجه عادةً عدم ثبات الدعم الدولي للجهود المبذولة، فهي متغيرة من مرحلة إلى أخرى، وتعتمد أيضًا على متغيرات مختلفة، منها تحول اهتمام المانحين وتمويلهم من جهة إلى أخرى حال وقوع أزمات أخرى في العالم.

بدوره قال السيد رامي عدوان – اخصائي أول علاقات خارجية بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (UNRWA)، إن الحرب والقصف المستمر، وتهجير السكان، والأضرار والدمار الهائل للبنية التحتية المدنية التي تقدم الخدمات للمجتمعات، وانعدام الوصول الإنساني الآمن وغير المقيد في جميع أنحاء قطاع غزة تشكل تحديات كبيرة للعمل الإنساني ولجهود التعافي وإعادة الإعمار. وشدد على أنه قبل أن تبدأ أي جهود لإعادة بناء المدارس والبنية التحتية الحيوية الأخرى، يجب إزالة الذخائر غير المنفجرة والأنقاض. كما أنه من الضروري إيجاد مأوى لحوالي 1.9 مليون شخص مشرد، لافتا إلى أن هذه العملية ستستغرق عدة سنوات بحسب تقديرات وكالات الأمم المتحدة.


ندوة غراس: جهود التعافي وإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب
إبراهيم خالد البدر-نائب المدير العام للاتصال المؤسسي بالهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت

مبادرات وخطوات تنفيذية

وذكر السيد إبراهيم البدر أنه نسبة للآثار الكارثية للحرب في غزة أطلقت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وشركائها مبادرة إنسانية عالمية نوعية تعرف باسم “سند” منذ شهر مايو الماضي لبحث توسيع نطاق التدخلات الإنسانية وتعزيز آفاق التعافي المبكر في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. وتهدف بشكل أساسي إلى تبادل الرؤى والمعلومات، وتوحيد الجهود، ومنع الهدر في التدخلات الإنسانية، لينهض القطاع غير الربحي ومنظماته الإنسانية الدولية بدوره في تخفيف آثار هذه الكارثة الإنسانية على القطاع، وتحقيق هدف التعافي المبكر منها.

من جهته قال السيد رامي عدوان – اخصائي أول علاقات خارجية بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (UNRWA) “تعتبر الاونروا استعادة الوصول إلى التعليم للأطفال والشباب في قطاع غزة أولوية قصوى أخرى، حيث تضرر أو دُمر حوالي 70% من مدارس الأونروا منذ بداية الحرب. وفقد حوالي 625,000 طفل في غزة عامًا دراسيًا بسبب الحرب، نصفهم، أو 300,000، كانوا يذهبون إلى مدارس الأونروا.

ويتم بالتعاون مع الشركاء تنفيذ أنشطة تعليمية تدريجية تشمل الدعم النفسي والاجتماعي والتعليم في المهارات الأساسية كالقراءة والكتابة والرياضيات في بيئات غير رسمية، وصولاً إلى العودة إلى التعليم الرسمي في المدارس.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق