ابتسامة صادقة.. كلمات لطيفة.. أفعال بسيطة.. يمكنها أن تجبر خواطر كُسرت وقلوبا أُرهقت وتترك أثراً لا يوصف، خصوصاً في عصرنا الحاضر الذي اتسعت فيه رقعة الأزمات ومخاطر الكوارث والضغوط المصاحبة لها، وزادت معاناة الفقر وذوي الحاجات. وفي هذا المقال نعرض عليك جوانب مشعة لـ ” جبر الخواطر ” تجعل منه مصاحباً لعمل الخير وفعّالاً في الدعم النفسي والاجتماعي للتخفيف من الكثير من الضغوط النفسية عن المكروبين والمحرومين في هذا العالم.
جدول المحتويات
فكم من قابع في ظلام مشاكله، تنير دربه كلمات تشجيع محفِّزة، وكم من مرتجف وسط زوابع الحياة تشرق شمس ربيعه مع ابتسامة حانية.
1* صور جميلة
فحتى في الظروف والأحوال الطبيعية؛ فما أجمل أن نتقصد الشراء من بائع متجول يبحث عن رزقه في حرّ الشمس، أو نتبسم في وجه عامل نظافة عند الصباح، ونتقبل اعتذار مخطئ بحقّنا ونصفح عنه، وأن نشتري لأهلنا ما يحتاجونه، دون طلب منهم أو سؤال، ونتفقد فقيراً أو محتاجاً لنجعل لهما نصيبا من مالنا وطعامنا وملابسنا. ونواسي شخصاً فقد شخصاً عزيزاً عليه، ونرفع من معنويات مريض هدّه المرض، ونشكر شخصاً على صنيع قدّمه، ونُثني على أمر أنجزه، حتى وإن كان بسيطاً.
2* طاقة إيجابية
كما أن جبر الخواطر، سواء كان كلمة أو فعلاً، إلا أن له طاقة إيجابية كبيرة ينعكس مردودها على الإنسان، ويعني فيما يعنيه تثبيت الآخر ورفع همّته وتهوين مصيبته وإقالة عثرته والأخذ بيده حتى يقف على قدميه.
واشتق اسم الحق سبحانه من هذه الصفة الحميدة “الجبّار”، وهذا الاسم في معناه الرائع أنه سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”ـ (من تفسير أسماء الله للزجاج). وقد سرّى ربنا سبحانه عن نبينا محمد في كتابه الكريم بقوله: “ولسوف يعطيك ربك فترضى” (سورة الضحى 5).
3* خبر الخواطر … أقوال وأفعال
وجبر الخواطر من الأخلاق التي حثَنا عليها ديننا الحنيف، وهي تكشف عن كرم النفوس وصفائها ورفعتها، وتعكس سلوكاً عمليا تبناه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والسلف الصالح من بعدهم، ومن أبرز أمثلته:
ـ ما قاله رسولنا محمد، عليه الصلاة والسلام، للأنصار: “أَفَلاَ تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ؟”، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَيَزُورُهُمْ، وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ”.
كما كان يواسي أصحابه ويمنحهم الدعم النفسي ويدلّهم على ما يُذهِب همهم ومن ذلك، كما جاء في سنن أبي داوود، أنه عندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همّك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني.
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام بين السجدتين: “اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني”. سنن الترمذي.
4* جبر الخواطر … من أفضل العبادات
واعتبر بعض التابعين جبر الخواطر من أفضل العبادات تقربا لله عز وجل، فهذا الإمام سفيان الثوري يقول: “ما رأيت عبادة يتقرّب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”
وروي عن لقمان الحكيم قوله: ” لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء”، ومن أقوال الأديب المعروف علي الطنطاوي – رحمه الله- أن: ” الإحسان أن تعطوا من قلوبكم لا من أيديكم وحدها، فيكون المال في اليد، والبسمة على الشفاه، والكلمة الطيبة المواسية على اللسان”.
5* دعوة للمختصين النفسانيين للاهتمام بموضوع جبر الخواطر
نتمنى أن يقوم المختصون والباحثون والمهتمون بالصحة النفسية و الدعم النفسي والاجتماعي، خصوصاً في حالات الطوارئ بجمع تراث ثقافتنا الإسلامية في “جبر الخواطر” لتوظيفه واستخدامه ضمن أدبيات العمل الإنساني في المناطق المأزومة والمنكوبة في العالمين العربي والإسلامي والمجتمعات الفقيرة، والاستفادة منه في تحسين الأحوال النفسية للمعرضين للكروب الشديدة من النازحين واللاجئين والمهجرين وضحايا الكوارث والحروب، والمرضى والغارمين وأصحاب الحاجة.