قَبِلَت أن تخوض غِمار التحديات التي تواجهها، وأن تستكمل المشوار الذي يوصلها إلى أهدافها عبر كرسيّها المتحرك. ومع كل عقبة تعترض طريق نور إرشي، تتسلّح بإرادتها القويّة، وهي تبحث عن بدائل مناسبة لتحقيق ذاتها وكرامتها الإنسانية، دون أن تستسلم.
بكالوريوس إعلام
تحدّت الإعاقة الجسديّة فواصلت تعليمها حتى نالت شهادة جامعية في مجال الإعلام (تخصص إذاعة وتلفزيون). وعندما سُدَت في وجهها سبل العمل في مجال تخصصها الأكاديمي بعد تخرجها، تحدت البطالة وانتقلت إلى مجال حرفي لتبدع فيه، إلى جانب قيامها بممارسة هوايتها الأدبية.
نتحدّث عن قصة الفتاة الفلسطينية نور إرشي، إحدى مكفولات مكتب قطر الخيرية في قطاع غزة، منذ عام 2005 حتى الآن، بوصفها من ذوي الاحتياجات الخاصة. فهي بحق تمثّل نموذجا للعزيمة التي لا تلين.
عند إتمامها متطلَّبات التخرّج واجهت نور مشكلة الحصول على شهادتها الجامعية. فهي مطالبة بدَفع الرسوم الدراسية المتبقية عليها للجامعة. ونظراً لسوء الوضع المادي الذي تعانيه أسرتها تدخّلت قطر الخيرية من خلال مشروعها “تحرير الشهادات الجامعية ” وساعدتها في الحصول على الشهادة، لتنحلّ أولى العقد من أجل انخراطها في الحياة العمليّة.
عمل حرفي
باشرت نور البحث عن عمل في مجال تخصصها ولكنّها لم تفلح في ذلك. لذا قررت أن تبحث عن عمل في اتجاه آخر، فكان لها ما أرادت.
وعن مشوارها بعد التخرّج تقول نور إرشي: “بعد أن عجزت عن إيجاد عمل في مجال تخصصي قررت الانضمام إلى العمل الحرفي. فأنا لا أستكين للإعاقة. واصلتُ تعليمي وتخرّجت. والآن أنا أعمل ضمن طاقم مركز (إرادة) أحد برامج رعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يتبع للجامعة الإسلامية بقطاع غزة. وتتلخص طبيعة عملي في التدريب على تصميم وإضافة الزخارف الإلكترونية والصور، وطباعتها على الأكواب والملابس، تلبية لاحتياجات زبائن المركز.
وترى نور في عملها الحالي فرصة جديدة للتعرّف على مجال مهني مختلف. معتبرة أنها تكتشف قدراتها وذاتها من خلال ممارسة مهام متعددة تؤهِّلها لاكتساب خبرات كبيرة في مختلف المجالات.
وفضلا عن ذلك؛ فإنها تجد في العمل الحرفي متعة حقيقية تتمثّل “في الاستمتاع بالمنظر الأخير للمنتج بعد خروجه للنور بشكل يجذب المستهلك”. كما أنّه يمثّل مصدر رزق إضافي لها، وإن كانت تصفه بأنه “محدود جداً”، لكنّها تستمر فيه حاليا، لأنّها كما أخبرتنا تحاول أن تحقّق نفسها والعيش بكرامة من خلاله.
لدى نور طموحات بمواصلة العمل في المجال الحرفيّ، وتطوير نفسها بصورة أكبر. لكنها في نفس الوقت لا تزال تجد نفسها أكثر في مجال الإعلام. ومن أمنياتها امتلاك كاميرا حديثة تمكنّها من تطوير موهبة التصوير لديها.
وتشير إلى أنها تأمل بأن تحقّق حلمها في العمل مذيعةً، وحينها ستكون “الحرفة مُكَمِّلة وليست أولوية” في حياتها كما أخبرتنا.
ديوان شعر .. حلمٌ آخر يراود مخيّلة نور إرشي
تحبّ نور إرشي نظم الشعر. حيث تخصص وقتا لهذه الهواية خارج إطار العمل. وتوضح ذلك بقولها: “بعيدا عن أجواء العمل، أفرغ موهبتي الشعرية داخل منتدى الإعلام الاجتماعي، وأستثمر وقتي في نشر قصائدي ونصوصي الأدبية”.
وتتطلع ذات يوم إلى أن تتمكّن من طباعة ديوان شعري يجمع قصائدها. معتبرة أنه يمثل بالنسبة لها “حلماً آخر” من جملة أحلامها.
وتتمنى نور أخيرا أن تُوفّق في الإسهام بتطوير مناهج التعليم، لتغيير النظرة التي يرى بها البعض ذوي الاحتياجات الخاصة. تقول: “نحن لا زلنا نصطدم بوجود كلمة “معاق” في الكتب المنهجية، ولهذا لابدّ من السعي لتغيير هذه الثقافة”.
الكفالة
تعتبر نور أنّ لها أسرتان، منهما تستمد عزيمتها في كلّ ما تقوم به وما تنجزه. فتحدثنا عنهما نور إرشي بقولها: أما الأولى فهي أسرتي التي نشأت وترعرعت فيها، وحظيت ضمنها بالرعاية والمساندة منذ صغري وحتى الآن. وأما أسرتي الثانية فهي “قطر الخيرية” لما لقيته من دعم متواصل وتشجيع دائم منها على الاستمرار في تحقيق أحلامي”.
مشيرة إلى أن الجمعية تقوم بكفالتها وتقديم دعم مالي شهري لها منذ أن كانت في المرحلة الابتدائية وحتى الآن. كما قامت بتسديد ما بقي عليها من رسوم دراسية للجامعة لتتمكن من الحصول على شهادتها الجامعية.
وتحمد الله الذي وهبها هاتين الأسرتين، وتدعو الله ألا يحرمها من وقوفهما إلى جانبها.
المقال منشور في الجزء الثاني من كتاب شهد النجاح من قطر الخيرية، حمّل نسختك الآن